انتهت جولة جديدة من القتال في مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين في مدينة صيدا قبل ساعات لتمهد لجولة مقبلة في أيّ لحظة. فالجمر الذي تحت الرماد في المخيم لم تطفئه اي من الحلول التي تؤدي لوقف موقّت لاطلاق النار، ولا تعالج أساس المشكلة بل المشاكل التي يرزح تحتها المخيم المكتظ سكانيا وبالعناصر المتطرفة.
ويُجمع معنيون بملف "عين الحلوة" على ان الاقتتال الأخير الذي انطلق مع اعلان الجيش اللبناني بدء معركة "فجر الجرود" لتطهير المنطقة الحدودية الشرقية من ارهابيي تنظيم "داعش"، مرتبط تماما بوضع التنظيمات المتطرفّة، التي، تلقت في الاشهر القليلة الماضية ضربات غير مسبوقة منذ سنوات، ان كان في الداخل السوري او على الاراضي اللبنانية. وتشير مصادر فلسطينية داخل المخيم الى "تشتت واختلال في توازن" المجموعات الارهابية التي تحتمي بالمدنيين في "عين الحلوة" ما يدفعها للاقدام على خطوات غير محسوبة النتائج وآخرها التهجم على مراكز القوة الامنية المشتركة. وتعتبر المصادر ان "أمرا خارجيا" وصل مؤخرا لمجموعة بلال العرقوب التي ليست الا جزءا من مجموعة بلال بدر المتطرفة لتسخين الوضع في المخيم لتخفيف الضغط عن "داعش" في الجرود، الا ان عدم انضمام باقي المجوعات الارهابية الى المعارك التي تولت قيادة "فتح" بشكل رئيسي التصدّي لها، وانحسارها بمجوعة من 40 او 50 مسلحًا، جعل من السهل اعادة لملمة الوضع وان كان كل الفرقاء يجمعون على امكانية تجدد المواجهات في أيّ لحظة.
وفيما ترد مراجع أمنية لبنانية كما فصائل فلسطينية متعددة قدرة المجموعات المتطرفة على توتير الأوضاع الى تشتت عناصر "بلال بدر" في أحياء المخيم، بعد فشل العملية العسكرية التي خاضتها حركة "فتح" بوجههم في شهر نيسان الماضي، وعدم توقيف اي من هؤلاء العناصر طوال الفترة الماضية، تبدو حركة "حماس" والقوى الاسلامية الأخرى غير راضية على أداء "فتح" التي تحاول برأيهم "فرض سيطرتها وتنصيب نفسها من جديد كمرجع اساسي حاكم بأمره في "عين الحلوة" علما ان الوقائع على الارض تدحض هذه الادعاءات تماما". وترفض "حماس" والقوى الفلسطينية الحليفة فتح مواجهة عسكرية جديدة مع المجموعات المتطرفة، بعد فشل هذا الحل مع "بلال بدر" وتعول على تأمين ممرّ آمن لهذه المجموعات للتوجه الى سوريا بعد انتهاء معركة الجرود. لكن هذه القوى كما حركة "فتح" أُبلغت من قبل جهات لبنانية رسمية بوجوب التأني في طرح الملف، والانصراف الى "غربلة" أسماء الراغبين بالخروج بين من لم تتلطّخ أيديهم بدم الجيش اللبناني، وبين آخرين ارهابيين تضعهم الدولة اللبنانية على رأس لائحة مطلوبيها. وتُدرك القوى الفلسطينية كما تلك اللبنانية تماما ان هذه المهمة لن تكون سهلة، كما ان تنفيذها قد يؤسس لانفجار الوضع بشكل غير مسبوق داخل المخيم، خصوصًا ان ذلك سيوصل رسالة واضحة للمطلوبين الذين لم تتم الموافقة على خروجهم، بأن مصيرهم التصفية او السجن، وهو ما لن يتقبله هؤلاء برحابة صدر.
ويبقى الهاجس الأساسي للأجهزة الأمنية اللبنانية في المرحلة الراهنة، هو تحريك تنظيم "داعش" خلاياه النائمة خارج "عين الحلوة"، فاذا كانت هذه الخلايا محاصرة داخله فان مجال تحركها في مناطق أخرى يبقى فسيحًا كما أنّ مروحة أهدافها أوسع.
وبانتظار الحسم العسكري على الحدود، تبقى كل السيناريوهات مطروحة بالنسبة للسلطات اللبنانية التي تعيش حالا من الاستنفار التام على مستوى كل البلاد.